المسلمون الناطقون بغير العربية في حاجة ماسة إلى تعلم اللغة العربية لأداء شعائر الإسلام على وجهها الصحيح، وفي هذا يقول الإمام الشافعي: “على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده؛ حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افتُرض عليه من التكبير وأُمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك، وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نُبوته وأنزل به آخر كتبه، كان خيرا له، كما عليه أن يتعلم الصلاة والذكر فيها، ويأتي البيت وما أُمر بإتيانه” (الشافعي, 1938)
كما أن اللغة العربية هي الوسيلة لتدبر القرآن الكريم، وفهم السنة النبوية بفهم السلف الصالح، كما أن الدين الإسلامي ينفرد عن سائر الأديان الأخرى بأن معجزته تتمثل في البلاغة والفصاحة، ولا يتسنى للناطقين بغير العربية فهم الرسالة المحمدية فهما صحيحا وتبليغها للناس إلا إذا كانوا متمكنين من اللغة العربية وواقفين على أسرارها
على أن المصدرين الأساسيين للتشريع وهما: القرآن الكريم والسنة النبوية، لايمكن فهمهما فهما صحيحا إلا من خلال اللغة العربية، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية، قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) [الشعراء 192-195]، وقال تعالى: وَكَذٰلِكَ اَوْحَيْنَآ اِلَيْكَ قُرْاٰنًا عَرَبِيًّا لِّتُنْذِرَ اُمَّ الْقُرٰى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيْهِ ۗفَرِيْقٌ فِى الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِى السَّعِيْرِ [الشورى: 7]، وقال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3]،وقال تعالى: قُرْاٰنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِيْ عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُوْنَ [الزمر: 28] إلى غير ذلك من الآيات
والغاية من القرآن الكريم ليس قراءته فقط، وإنما تدبره وفهم آياته، قال تعالى: كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ مُبَٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ [ص: 29]، وكيف يتدبر القرآن من لا يعرف لغته؟ قد يقول قائل: يفهم معانيه بالترجمة، ولكن الترجمة من أي لغة لا يمكن أن تنقل كامل المعنى، فكيف إذا كانت اللغة المنقول منها هي اللغة العربية التي عرفت بالعمق والغزارة، وتقارب معاني الألفاظ، وكيف إذا كان المراد ترجمته القرآن المعجز الذي عجز فصحاء العرب وأساطين البلاغة أن يأتوا بآية واحدة من مثله، إن الترجمة تظل عاجزة عن نقل معاني الآيات نقلا كاملا (صالح بن حسين العائد, 1995)
ويؤكد المعنى السابق ابن قتيبة بقوله: “لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله (يقصد القرآن) إلى شيء من الألسنة كما نُقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله -عز وجل- بالعربية؛ لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب، ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله جل ثناؤه وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنۢبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْخَآئِنِينَ [الأنفال: 58] لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها، وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة أو عهد فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب؛ لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء”(ابن قتيبة, 2007)
بل إن الجاحظ ذهب أبعد من ذلك، حيث قال في كتابه الحيوان: “لا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية، ومتى وجدناه أيضا قد تكلم بلسانين، علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما؛ لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى وتأخذ منها، وتعترض عليها، وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه، كتمكنه إذا انفرد بالواحدة، وإنما له قوة واحدة، فإن تكلم بلغة واحدة استفرغت تلك القوة عليهما، وكذلك إن تكلم بأكثر من لغتين، على حساب ذلك تكون الترجمة لجميع اللغات، وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق، والعلماء به أقل، كان أشد على المترجم، وأجدر أن يخطئ فيه، ولن تجد البتة مترجما يفي بواحد من هؤلاء العلماء”(الجاحظ, 1955)، فالجاحظ يشترط في المترجم أن يكون على درجة كبيرة من العلم الذي يترجم له تضاهي قدرته على الترجمة، وتكمن الخطورة هنا في أن المترجم هنا يترجم كلام الله، ويعلم الناس الدين، والخطأ في الدين أضر من الخطأ فيما سواه
وتبرز أهمية فهم وتدبر القرآن الكريم باللغة العربية في أن بعض أصحاب النفوس المريضة، يؤولون القرآن حسب أهوائهم الخبيثة، ومن ذلك أن منهم من يجيز الجمع بين أكثر من أربع نساء، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّاتَعُولوا۟[النساء: 3]، ويدعون زورا أن الواو تفيد مطلق الجمع، ومن ثم يجوز للرجل أن يتزوج من تسع نساء، بل إن منهم من أجاز للرجل أن يتزوج من ثماني عشرة امرأة بدعوى أن مثنى وثلاث ورباع معدولة عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، فيصل العدد إلى ثماني عشرة امرأة في خلاف واضح للنصوص الثابتة في السنة النبوية وما اتفق عليه الفقهاء وأجمعت عليه الأمة
وقد تنبه القرطبي –رحمه الله- لهذا الأمر الخطير فقال: “اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع، كما قال من بعُد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة؛ وعضد ذلك بأن النبي (r) نكح تسعا، وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثلاث ورباع، وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة؛ تمسكا منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع؛ فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع، وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع، وأخرج مالك في موطئه، والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي (r) قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة: “اختر منهن أربعا وفارق سائرهن”، وفي كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي (r) فقال: “اختر منهن أربعا”، وقال مقاتل: إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر؛ فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله (r) أن يطلق أربعا ويمسك أربعا(القرطبي, 2003)
ومن ذلك أيضا ما تقوم به الحركة القاديانية، التي تأسست عام 1900م بقاديان بالهند، على يد المدعو ميرزا غلام أحمد الذي زعم أنه نبي تابع لرسول الإسلام، فهذه الحركة قامت بترجمة القرآن الكريم إلى اللغات العالمية المختلفة، بالإضافة إلى التفاسير القاديانية المنتشرة في كثير من البلدان الناطقة بغير العربية، وهؤلاء يترجمون ويفسرون القرآن الكريم حسب أهوائهم، وبما يحقق مصالحهم، وقد حذر منهم الشيخ أبو الأعلى المودودي لأنهم يخالفون المسلمين في أصول الدين وليس في فروعه، فهم يخالفون المسلمين في ذات الله وفي القرآن الكريم وفي الرسول وفي الصلاة والزكاة والحج (أبو الأعلى المودودي, 1981)
ومن الأمثلة التي تبين زيف معتقدهم وبطلان دعواهم أنهم يدعون أن النبي محمد (r) ليس هو النبي الخاتَم، ويفسرون قول الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ اَبَآ اَحَدٍ مِّنْ رِّجَالِكُمْ وَلٰكِنْ رَّسُوْلَ اللّٰهِ وَخَاتَمَ النَّبِيّٖنَۗ وَكَانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمًا ࣖ [الأحزاب: 40] بأن المقصود أنه كالخاتم في اليد، وليس المقصود أنه آخر الأنبياء، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل إما على جهلهم باللغة أو تعمدهم التحريف لإثبات معتقدهم وتضليل الناس، وغير ذلك من الأمثلة التي يضيق المقام بذكرها هنا نظرا لطبيعة الحث، ولكنها تؤكد في مجموعها أهمية الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في نشر اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها
أما عن السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي: فقد كان النبي (r) من الفصاحة والبلاغة في منزلة لا تُدانى، وقد روى البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله (r) قال: “بعثت بجوامع الكلم (البخاري)” ومن ثم يصعب على الناطقين بغير العربية فهم مراد النبي (r) بدون فهم اللغة العربية، ولذلك كان العلماء يُشنعون على من يدرُس الحديث ولا يتعلم العربية، لأنه قد يفهم الأحاديث أو يؤولها على غير وجهها المراد بسبب جهله بدلالة ألفاظها، بل لا بد له أن يعرف أساليبها وعادات العرب في خطابها وحديثها في العصور الأولى لئلا ينزلق في فهم خاطئ، ولا بد من معرفة لغة الصحابة التي كانوا يتخاطبون بها ويخاطبهم بها النبي (r)، وإلا حرف الكلم عن مواضعه، فإن كثيرا من الناس ينشأ على اصطلاح قومه وعاداتهم في الألفاظ، ثم يجد تلك الألفاظ في كلام الله أو رسوله أو الصحابة، فيظن أن مراد الله أو رسوله أو الصحابة بتلك الألفاظ ما يريده بذلك أهل عادته، ويكون مراد الله ورسوله والصحابة خلاف ذلك (صالح بن حسين العائد)
فالسنة النبوية هي الشارحة للقرآن الكريم والمبينة لآياته، وقد روى القرطبي في تفسيره أن أبا جعفر الطبري قال سمعت الجرمي يقول: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه، قال محمد بن يزيد وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب حديث فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله (r)، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا، وروى سفيان عن أبي حمزة قال: قيل للحسن البصري: ما تقول في قوم يتعلمون العربية؟ قال أحسنوا يتعلمون لغة نبيهم” (القرطبي)
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن تعلم اللغة العربية يعين على فهم الأحاديث النبوية، كما أن فيها تأسيا بالنبي (r)، واقتداء به، فالنبي عربي، وجاء بكتاب عربي، ولذا كان علماء المسلمين يعدون التحدث باللغة العربية شعارا من شعارات الإسلام، كما أن معظم علماء المسلمين العجم كانوا يجيدون اللغة العربية
ولا يقتصر الأمر على المصدرين الأساسيين للتشريع، بل إن مصادر التشريع الأخرى كالاجتهاد والقياس في حاجة ماسة إلى اللغة العربية، كما أن هناك العديد من جوانب المعرفة الإنسانية التي استفادت من اللغة العربية كأصول الفقه وعلوم القرآن وعلوم الحديث باعتبار أن هذه الجوانب المعرفية تدور حول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرةفقد عنى علماء أصول الفقه الإسلامي باستقراء الأساليب العربية وعباراتها ومفرداتها واستمدوا من هذا الاستقراء ومما قرره علماء اللغة أيضا قواعد وضوابط يتوصل بمراعاتها إلى النظر السليم في الكتاب والسنة وفهم الأحكام فهما صحيحا يطابق ما يفهمه العربي الذي جاءت النصوص بلغته، وقرروا أن من شروط المجتهد أن يكون عالما باللغة وأحوالها محيطا بأسرارها وقوانينها ملما إلماما طيبا بأساليب العرب في الكلام ليتوصل إلى إيضاح ما فيه خفاء من النصوص وإلى رفع ما قد يظهر بينها من تعارض، ولا يمكنه ذلك اليوم إلا بتعلم اللغة والنحو والبلاغة وسائر ما يسمى بعلوم الآلة (محمد عبد القوي شبل الغنام, 2013)
ويؤكد هذا ابن حزم بقوله(ابن حزم الأندلسي, 1981): “وفرض على من قصد التفقه في الدين أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته إليه في فهم كلام ربه –تعالى- وكلام نبيه (r)، ففرض على من قصد التفقه أن يكون عالما بلسان العرب؛ ليفهم عن الله –عز وجل- وعن النبي (r)، ويكون عالما بالنحو، الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي نزل به القرآن، وبه تُفهم معاني الكلام، التي يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الألفاظ، فمن جهل اللغة، وهي الألفاظ الواقعة على المسميات وجهل النحو، فلم يعرف اللسان الذي به خاطبنا الله تعالى ونبينا (r)، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه؛ لأنه يفتي بما لا يدري، وقد نهاه الله تعالى عن ذلك، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهٖ عِلْمٌ ۗاِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ اُولٰۤىِٕكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔوْلًا [الإسراء: 36]، … فكيف يفتي في الطهارة من لا يعلم الصعيد في لغة العرب؟ وكيف يفتي في الذبائح من لا يدري ماذا يقع عليه اسم الزكاة في لغة العرب؟! أم كيف يفتي في الدين من لا يدري خفض اللام أو رفعها في قوله تعالى: وَاَذَانٌ مِّنَ اللّٰهِ وَرَسُوْلِهٖٓ اِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْاَكْبَرِ اَنَّ اللّٰهَ بَرِيْۤءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِيْنَ ەۙ وَرَسُوْلُهٗ ۗفَاِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْۚ وَاِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوْٓا اَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللّٰهِ ۗوَبَشِّرِ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا بِعَذَابٍ اَلِيْمٍۙ [التوبة: 3]، فابن حزم يشدد على كل من طلب التفقه في الدين أن يتعلم أولا اللغة العربية، بل إنه يرفع حكم تعلم اللغة العربية من الواجب إلى الفرض
ويخلُص ابن حزم إلى القول بأنه: “لو سقط علم النحو لسقط فهم القرآن، وفهم حديث النبي (r)، ولو سقط لسقط الإسلام؛ فمن طلب النحو واللغة على نية إقامة الشريعة بذلك، وليفهم بهما كلام الله تعالى وكلام نبيه، وليُفهمه لغيره، فهذا له أجر عظيم، ومرتبة عالية؛ لا يجب التقصير عنها (ابن حزم الأندلسي, 1981)”
ويجمل الثعالبي فضائل تعلم اللغة العربية بقوله: “والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء والزند للنار، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها والوقوف على مجاريها ومصارفها والتبحر في جلائلها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة الإيمان لكفى بهما فضلا تحسن فيهما أثره ويطيب في الدارين ثمره، فكيف وأيسر ما خصها الله عز وجل به من ضروب الممادح يكلِّ أقلام الكتبة ويتعب أنامل الحسبة” (الثعالبي, 2010)
وقد ثبت يقينا للأزهر الشريف أن جميع العلوم والمعارف التي قامت حول القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مثل الفقه، والعقيدة، والحديث، والتفسير في حاجة ماسة إلى اللغة العربية، فالقرآن الكريم والسنة النبوية كانا سببا في نشأة الدراسات اللغوية من النحو إلى البلاغة، وكان استخراج الأحكام الفقهية منهما سببا في نشأة أصول الفقه، وكان فهم الآيات والأحاديث التي تشرح العقيدة الإسلامية سببا في نشأة الفرق والمذاهب، كما كانت محاولة فهم النص سببا في نشأة علم التفسير، وأدى النظر في نصوص السنة إلى نشأة علمي السند والرجال، إلى غير ذلك من العلوم، وإذا كانت اللغة العربية قبل ظهور الإسلام لغة للعرب فقط، فإنها بظهور الإسلام أصبحت لغة للمسلمين جميعا على اختلاف ألسنتهم، فاللغة العربية والدين الإسلامي كيانان متلازمان لا يمكن تصور انفكاك أحدهما عن الآخر؛ ولذا اعتمد الفكر المقاصدي للأزهر الشريف في نشر اللغة العربية وتعليمها للناطقين بغيرها على الربط بين الدين واللغة